حكاية نيستا تعتبر شيئا فوق العادة، وحب الناس له تجسد في صور كثيرة... فهو المثل الأعلى للأطفال الصغار الذين يحلمون بمستقبل عريض مليء بالبطولات التي حققها نجمهم المحبوب.. وبين الفتيات أصبح أشهر من نجوم هوليود، الأمهات تعتبره الولد المثالي الذي تتمنى أن يقتدي به أبنائها.. والمشجعون بمختلف انتمائهم وأعمارهم يعتبرونه ملك الدفاع في الكرة الايطالية والوريث الشرعي الوحيد لعرش باولو مالدينى.
هو لاعب أنيق لاشك في ذلك، لكن تدخلاته فعالة ومقنعة يملك لياقة مثالية ويلعب بشجاعة خرافية وبقوة لامثيل لها حتى أطلق عليه لقب... الجلاد الأنيق.
# شر البلية.... مايجعلك مشهورا #
غالبا ما يبدأ تعرف الجماهير على نجوم كرة القدم من خلال التألق في الملعب أو إحراز الأهداف أو حتى من سعى الأندية الكبيرة وراء التعاقد معهم، لكن الأمر يختلف تماما بالنسبة للايطالي اليساندرو نيستا.. فقد كانت بداية شهرته غريبة الى أقصى حد ولكن الأغرب منها كانت بدايته الأصلية مع كرة القدم.
فعن طريق نصيحة طبية وتسبب في كسر ساق نجم انجلترا السابق جاءت بداية نيستا المثيرة والمشوقة مع عالم المستديرة والكالشيو.
يعتبر نيستا ايطالي الهوى والهوية وهذا يعنى انه تشرب حب كرة القدم والكالشيو بشكل خاص منذ سن الرضاعة.. لكن تعلقه بالكرة لم يكن السبب الوحيد الذي دفعه إلى الالتحاق بأحد أنديتها ، فعند بلوغه الثامنة من عمره نصحه احد الأطباء بممارسة الرياضة ليقضى على بعض المشاكل التي تؤلمه فى الظهر لذلك قام والده بإشراكه في إحدى مدارس الكرة بضاحية سينسيتا وعن طريقها التحق بنادي لاتسيو روما.
أما مشواره مع الاحتراف ففد بدأ صائفة عام 1993 عندما استدعاه المدرب دينو زوف لمعسكر الإعداد في النمسا وفى مارس 1994 وقبل أن يكمل عامه الثامن عشر بستة أيام فقط شارك مع لازيو في أول مباراة رسمية له بالدوري الايطالي وكانت ضد اودنيزى وبعدها بأيام قليلة وقعت حادثة كسر ساق غاسكوين والتي كانت السبب الرئيسي في شهرته والطريف أن صدمة نيستا كانت اكبر بكثير من صدمة بول غاسكوين نفسه حيث اندفع يصرخ بشدة وقد صرح بعدها قائلا بان غاسكوين هو الذي هاجمه من الخلف لاستخلاص الكرة منه حتى حدث ما حدث.
#اول الطريق... خطوة#
في مارس عام 1994 وطأت أقدام اللاعب الشاب نيستا ارض ملعب الاولمبكو بروما لتكون تلك المباراة مشاركته الأولى في عالم الاحتراف والنجومية... فتراءى للناظرين شاب متحمس مثابر ذو نظرات قوية قدماه تسارع بعضها بعضا ورغم ذلك لم يكن احد ليدرى في ذلك الوقت بان هذا الملعب قد شهد في تلك اللحظة بالذات ظهور من سيجسد عظمة ايطاليا لسنوات عديدة.
وهكذا وخلال موسمي 1994 و 1995، شارك نيستا فى العديد من المباريات مع لازيو ولكنها في معظمها كان يدخل من على مقاعد الاحتياط لكنه سرعان ما حجز لنفسه مكانا أساسيا في المواسم التالية.
كذلك عرف نيستا طريقه إلى النجاح الدولي عندما شارك مع منتخب بلاده فى بطولة الأمم الأوربية للشباب تحت 21 سنة وفازوا بلقب البطولة وفى نفس اليوم الذي أحرزوا فيه اللقب استدعاه المدرب اريغو ساكى لينضم إلى صفوف الاتزورى الكبير قبل بطولة أمم أوربا 1996 بعد أن استبعد المدافع تشيرو فيرارا ومنذ ذلك الحين أصبح أساسيا في المنتخب الأول وكانت أول مباراة دولية له أمام مولدوفا عام 1996 وكذلك شارك نيستا مع منتخب الشباب تحت 21 سنة في دورة الألعاب الاولمبية 96 في أتلانتا.
وفى تلك الفترة حل زوف محل زيمان لتدريب لاتسيو لكنه لم يمكث طويلا أيضا فرحل واخذ مكانه المدرب السويدي غوران ايريكسون الذي ادخل لازيو في عهد جديد. نيستا... الكابتن #
بعد أربع سنوات من أول مباراة كاملة له مع لازيو أصبح اليساندرو نيستا كابتن فريق النسور رغم صغر سنه إلا أن تميزه وعطاءه اللامحدود دفع بزملائه في الفريق إلى اختياره لحمل شارة القيادة لأنهم يؤمنون بأنه قادر على قيادتهم وبأنه يملك صفات القائد الحكيم... وبالفعل فقد تحمل نيستا دوره الجديد بفخر واثبت انه وحده الجدير بها.
وقد كان عام 2000 عام لاتسيو الذهبي الذي احتفل بمرور مائة عام على تأسيسه كأبهى ما يكون محرزا بقيادة نيستا لقب الدوري الايطالي الذي غاب عن النادي منذ موسم 73-1974 إضافة إلى كاس ايطاليا محققا بذلك ثنائية رائعة.
وعلى المستوى الشخصي فقد جاء تتويجه بلقب أفضل مدافع في ايطاليا موسمي 2000 و2001 ضمن جوائز اوسكار الدوري الايطالي التي تمنح للاعبين الأكثر بروزا عقب نهاية كل موسم إلا دليلا جديدا على ما يمكن أن يقدمه هذا اللاعب.
وليس هذا فحسب بل أن عام 2000 شهد أيضا احتلال نيستا للمركز الخامس في ترتيب قائمة أفضل اللاعبين على العالم التي تصدرها البرتغالي لويس فيغو، وقد أشاد القائد باولو مالدينى زميل نيستا في المنتخب آنذاك بهذا الانجاز قائلا ( بالنسبة إلى المدافعين فان تمركز نيستا في المرتبة الخامسة هو نتيجة جد ايجابية، والمدافع الذي يرنو إلى كسب الكرة الذهبية مطالب كذلك بالتهديف ).
لقد كان نيستا نجما منفردا يحلم بالتألق فيلعب بشغف لتبدو أحلامه متجسدة على ارض الواقع.. لقد كان رائعا حقا.
#لاتبكى من أجلى يا روما #
كان موسم 2001-2002 موسم الوداع بالنسبة لنيستا، فقد بدا واضحا بان نزيف النجوم الذي أصاب الفريق لن يتوقف وبدا واضحا كذلك بان لازيو قد دخل في أزمة بلا نهاية فكان القرار الصعب الذي اتخذه نيستا بالرحيل عن الفريق بحثا عن فريق يمنحه مغامرة جديدة وتحد يحمل عنوانا واحدا.. الفوز ثم الفوز.
وهكذا مرت أكثر من سبع سنوات لعبها نيستا مع لازيو بسرعة البرق.. لعب خلالها أكثر من 150 مباراة وسجل فقط ثلاثة أهداف كانت أمام فيتوريا غيماريش البرتغالي في كاس الاتحاد الاوربى 1997 ثم أمام انتر ميلان الايطالي في كاس ايطاليا 1998 وهو هدف الفوز وأخيرا في مرمى ساليرنتانا في الدوري الايطالي 1999، يقول نيستا ( نادرا ما ساهمت بالتهديف وأتذكر جيدا أن هدفي الأول كان في مرمى فريق غيماريش حيث تقدمت للمساندة الهجومية وراوغت ثلاثة مدافعين قبل مغالطة الحارس ).
أما على مستوى البطولات فانه يمكننا القول بان نيستا قد دفع لازيو الى انجازات لم تتحقق من قبل فى هذا النادي فحقق معه بطولة السكوديتو 2000 وكاس ايطاليا 98 و2000 وكذلك السوبر الايطالي 1998 و2000 وكاس الكؤوس الأوربية للمرة الأولى في تاريخ النادي موسم 1999 وكاس السوبر الأوربية لنفس الموسم.
لاتبكى من أجلى يا لازيو... هذا ما قاله نيستا عندما أدرك انه لن يكون معهم الموسم القادم، ولكن لاالمشجعون ولا المدينة بأكملها استطاعت أن توقف نزيف دموع انهمرت بشدة في آخر مباراة بالدوري لقد وقف الفريق يودعه وهو مدرك بأنه لن يعرف بعد رحيله إلا الحزن والمعاناة... أما إستاد الاولمبكو فيكفى انه كان شاهدا على تلك الليلة... ليلة الشهد والدموع.
باختصار.. لقد أصبح لازيو جسد بلا روح بعد رحيل نيستا.
# نيستا يشعل النار فى ايطاليا #
منذ أن أعلن عن رغبته بترك الفريق وهو يشعل النار في اكبر الأندية الايطالية حتى بات الغزال الذي تتهافت وتتصارع الأندية من اجل انتدابه.. نيستا بالأمس كان حلما لملكات الجمال فى ايطاليا بطوله الفارع وتسريحة شعره الطويل واليوم أصبح حلم ليوفى والانتر وميلان وريال مدريد وما زالت القائمة تزداد طولا لهؤلاء الذين ابتلعتهم دوامة الايطالي نيستا.
فقد أعلن مدرب الانتر الارجنتينى كوبر إصراره على ضم نيستا عندما قال بصريح العبارة ( نعم أريد نيستا أو لا احد ).. أما المدرب مارتشيلو ليبي –مدرب ليوفى- فلم يتوانى عن إجابة احد الصحفيين الذي سأله عن هوية اللاعب الذي يسعى بقوة لانتدابه حيث أجاب ليبي بكل ثقة ( قد يتفاجا البعض لان اللاعب الذي اعنيه لا يشغل خطة هجومية بل هو متميز على الدوام بدوره الدفاعي ونظرته الشاملة للملعب وقدرته الفائقة على قراءة اللعب... انه نيستا بالتأكيد ) و عندما طلبوا منه المفاضلة بينه وبين كانافارو أجاب ( نيستا أفضل بكثير لأنه الوحيد القادر على احداث الفارق)...أما فريق ميلان فقد سخر جميع الإمكانيات وأعلن حالة الطوارئ لإتمام الصفقة .. وبهذا فكأن نيستا قد أصبح الفتيل الذي يشعل النار أو القوى التي تحدث الصدام بين الأندية الكبرى، فانتقال نيستا من لازيو إلى ليوفى أو ميلان أو الانتر أصبح الشغل الشاغل لكل الايطاليين..و التحدي بالنسبة للأندية المراهنة على انتدابه.
لكن رغبة نيستا ووجهته كانت واضحة تماما لقد اختار أن يلعب في ميلان ليكون بذلك جنبا إلى جنب رفقة الأسطورة باولو مالدينى مستلهما من خبرته ونضجه وقوته ماكان سيقضى بقية مسيرته وهو يتعلمه في فريق آخر غير ميلان.... لقد كانت صفقة المربحه
# واثق الخطى... يمشى ملكا #
غادر لازيو إلى ميلان والأمل يلوح له وكأنه يرى خضم البطولات وهى ترصع سجله الثمين... لقد بدا مع ميلان كما كان دائما قويا وعنيدا ومصرا على الفوز، فاستطاع نيستا دون مقدمات أن يجد التفاهم المطلوب بينه وبين مالدينى مكونين بذلك.. الثنائي الحلم، لقد نجحوا في ترجيح كفة ميلان على غيره في العديد من المباريات وجعلوا عالم كرة القدم يقف على رؤوس أصابعه... فإضافة إلى نيستا ومالدينى كان هناك كافو ديدا كاكا وبيرلو وقتوزو وشفشنكو وغيرهم من النجوم... أما الحصيلة فكانت ألقاب من كل الألوان وبطولات وأرقام قياسية.
وبالإضافة إلى صعوده على منصات التتويج لأكثر من مرة مع ميلان في المواسم الثلاث الماضية فقد تحصل كذلك على جائزة أفضل مدافع في ايطاليا لموسم 2002-2003 ، ولم تخلو اى قائمة تصدرها الصحف الرياضية العملاقة في أوربا أو الفيفا لأسماء اللاعبين الأكثر بروزا عقب نهاية كل موسم من اسم ..نيستا.
وقد كان لنيستا تصريحا جميلا بعد الفوز بلقب الدوري قال فيه ( الموسم بأكمله اثبت أننا الأقوى، فائزين بكل المباريات الكبيرة واللقب هو المكافأة المناسبة لهذا الفريق.. أنا سعيد فعلا مثل باقي زملائي، هذا الانجاز هو الإثبات القاطع لي وللجميع باننى حين انضممت إلى الميلان قمت بالعمل الصائب.. إن فوزنا بالشامبيانز كان رائعا نفس الشيء مع الدوري، لقد اعددنا أنفسنا بشكل رائع).
أما الآن وبعد أن حقق جميع أحلامه مع ميلان فان كاس العالم بات يمثل أقصى أهدافه وهو يتطلع لذلك عقب نهاية هذا الموسم آملا أن يبتسم له الحظ الذي أدار له ظهره في جميع البطولات الماضية مع المنتخب الأزرق.
# نيستا... الانسان
وبعيدا عن ملاعب كرة القدم فانك عندما تتقرب من نيستا سيعجبك فيه روحه المرحة وسلوكه المتواضع والمتأدب.. وعندما يتحدث عن ولادته فتعود به الذاكرة إلى الوراء فيبتسم وهو يقول ( قدومي إلى الحياة كان مبعثا للسعادة في البيت بعد ولادة آخى فرناندو واختى كاتيا وكان والدي يعمل بمحطة السكك الحديدية).
أما عن سر تعلقه الشديد بالرقم 13 فيكشفه قائلا ( أنا لم اختر الرقم 13 بل هو الذي اختارني، فعندما جئت إلى نادي لازيو وجدت القميص رقم 13 غير مرغوب فيه ولا يقبل احد ارتداءه، وبالتالي أجبرت على قبوله والآن أنا أحب هذا الرقم ولن أتنازل عنه لأنه شهد نجاحي في عالم كرة القدم.. لقد بدأت برقم 13 وسأعتزل برقم 13 ).
وعلى الرغم من انه لاعب يتميز بالكفاح والإصرار في الملعب إلا انه هادئ جدا في حياته الشخصية يضعف أمام حبه للنوم ويعتبره الهواية المفضلة لديه وكذلك يفضل ارتداء الملابس البسيطة ذات اللون الأسود ويحب سماع اغانى ليغابو ومشاهدة أفلام ألبرتو سوردى وديمى مور
هذا هو اليساندرو نيستا، فبفضل حيويته المفعمة بالانفعال الممزوج بالعاطفة والفن بات نيستا مثالا للمدافع الايطالي الملهم.. فكان يكتب في كل موسم عنوانا جديدا مع التألق ويرش زهر موهبته في كل الملاعب ويترك في كل ركن فيها ذكرى... في قوته حافز يدفعك إلى مهاراته وفى مهارته شيء يأخذك إلى أناقته وصلابته، لقد كان رمزا للحماس وعنوانا للتصميم ولم يكن احد بقادر على تخطيه.
انه باختصار خلق ليكون بطلا حقيقيا والأبطال الحقيقيون لا يؤمنون إلا بالبطولات والمجد أو ذلك هو قدرهم المحتوم.
# بطاقة رياضية #
الاسم... اليساندرو نيستا.
تاريخ الميلاد... 19-3-1976.
المدينة... روما.
الطول... 187 سم.
الوزن... 79 كجم.