السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
معجزة الأسراء والمعراج
معجزة ما سبق بها أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثبت الله بها فؤاده وخفف عنه أحزانه بوفاة حبيبته ورفيقة دربه السيدة خديجه زوجته
التي أخلص لها حتى بعد وفاتها بسنين وعمه وسنده أبي طالب ، وقد حفلت المعجزة بالمعاني والدروس والعظات ...
لكن ما استوقفني فيها لبرهة وأردت أن أمعن في تأمله ..هو معنى ربما يبرز في كل شعائر الإسلام الحنيف و أوامره لكنني استشعرته هذه المرة من وجهة أخرى ربما لأنه ما يجول في صدري هذه الأيام ..وهو ما سيتضح بين سطور وكلمات المقال .
يبقى لي أن أفصح عن المعنى الذي استوقفني وأشرت إليه في مقدمة حديثي وهو؛ أن الصلاة قد فرضت لأول مرة على النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة بعد أعوام من التعذيب له وللمؤمنين والامتحان لعقيدتهم ورسوخ إيمانهم ، ليتترجم هذا الحب إلى شعائر وأعمال وأوامر تطاع ونواه تجتنب ..
أما مدى إتفاقه مع ما يجول في صدري فهو تعليم الصلاة لابناءي .....فهل من علاقة ؟؟
العلاقة لاشك وطيدة ..فالتدرج في التكاليف من أولى المباديء بالتنفيذ لضمان إطاعة الأوامر ، ولا أعتقد أن أحداً يجهل القول الشائع : إذا أردت أن تطاع ..فأمر بما يستطاع ...كما لا أحد ينكر قول الله تعالى :وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ....إذن فالأمر ليس عشوائياً ولا إرتجالياً إنما هو برنامج واضح الخطوات أهم مقوماته الصبر والمداومة والتدرج أما خطواته فهي ما يجب علينا التفكر فيه للوصول لأنسب الخيارات وعن هذا التدرج يقول الشيخ محمد الدويش :
إن الجوانب التي تتطلب التربية والإصلاح في النفس البشرية من الاتساع والتعدد والتنوع ما يجعل تحصيلها في وقت وجهد أمر عسير ومتعذر.
لذا فإن التدرج كان معلماً مهماً من معالم التربية النبوية، فخوطب الناس إبتداء بالاعتقاد والتوحيد، ثم أمروا بالفرائض، ثم سائر الأوامر.
وفي الجهاد أمروا بكف اليد، ثم بقتال من قاتلهم، ثم بقتال من يلونهم من الكفار، ثم بقتال الناس كافة.
ومثل ذلك التدرج في تحريم الخمر، وإباحة نكاح المتعة ثم تحريمها، وهكذا.
لكن يبقى جانب مهم مع الإيمان بمبدأ التدرج، ألا وهو أن ما نص الشرع على تحريمه لا يجوز أن نبيحه للناس، وما نص على وجوبه لا يجوز أن نسقطه عن الناس.
وحينما تأملت قول النبي بأن نعلم أبناءنا ونأمرهم بالصلاة لسبع لنضربهم على التقصير فيها لعشر ...تساءلت هل هذه السنوات الثلاث أمهال ؟؟ أم تدريب ؟؟ لا شك أن المعنى الثاني أوجه ...فرسول الله المربي المعلم القدوة يعلمنا أن نتدرج مع أبناءنا قبل أن نطالبهم بالنموذج الأمثل لتنفيذ الأمر وقبل أن نعاقبهم على عدم تنفيذه بشكل مرضِ ...بل ويعلم الأبناء أن السنوات الثلاث هي للتدريب والتجويد والتحسين والدقة قدر الاستطاعة في فسحة من الوقت ليست بالقصيرة ..حتى يصلون لحد من الإتقان والالتزام يمكن بعدها العقاب حيث لن يكون له مجال إلا لمن أساء استخدام هذه المدة ..والدورة التدريبية طويلة المدى ....
إن بناء الشخصية لا يأتي من كثرة المواعظ والنصح والإرشادات والتخويف أو التحقير والضرب، وإنما يوجد من خلال تصرفاتنا نحن وتمسكنا بالمنهج والطريقة التي نرتضيها لأطفالنا، فيقبلون عليها بأرواح صافية ونفوس راضية، فغالبية الأبناء لا يحبون أن يؤمروا مهما صغر سنهم. ولنتذكر براعة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - في التلويح لأصحابه بأمر ما يريد ألا يفعلوه حين يقول: ما بال قوم يفعلون كذا وكذا...، فهو لا يحرج أحداً، ولا يتوجه إليه باللوم والتقريع، وإنما يثير مشاعره بأن هذا الأمر غير مرغوب؛ ليكون الدافع نابعاً من داخله لينتهي عنه...حيث أن الإسلام يعتمد في وصوله لقلوب الناس على إثارة الوجدان، فيؤدي تبعاً له إلى الرغبة في العمل، ثم تتحول لعمل واقعي له صورة محددة واضحة السمات، فيلتقي الظاهر والباطن ويتكافآن.
وليكون برنامج تعليم الصلاة لأبناءنا أكثر وضوحاً.. توجهنا للأستاذة نيفين السويفي (مختصة بتعليم الأبناء في المساجد ) وكان ردها: في مرحلة من 7 إلى 9 سنوات يكون الأمر سهلاً،
فالكلام البسيط اللطيف الهادئ عن نعم الله تعالى وفضله وكرمه ( المدعَّم بالعديد من الأمثلة )، وحب الله لعباده ورحمته، يجعل الطفل من تلقاء نفسه يشتاق إلى إرضاء الله سبحانه وتعالى ؛ ففي هذه المرحلة يكون الاهتمام بكثرة الكلام عن الله سبحانه وتعالى، وقدرته، وأسمائه الحسنى، وفضله، وفي المقابل ضرورة طاعته، وجمال الطاعة، ويسرها، وبساطتها.
في نفس هذا الوقت لابد من أن يكون هناك قدوة صالحة يراها الصغير أمام عينه؛ فمجرد رؤية الأب والأم، والتزامهما بالصلاة 5 مرات يومياً دون ضجر أو ملل يؤثر إيجابياً في نظرة الطفل لهذه الطاعة، فيحبّها لحبِّ المحيطين به لها. ويلتزم بها كما يلتزم بأي عادة وسلوك يومي.
ولكن حتى لا تتحول الصلاة إلى عادة، وتبقى في إطار العبادة لابد من أن يصاحب ذلك شيء من تدريس العقيدة، ومن المناسب هنا سرد قصة الإسراء والمعراج، وفرض الصلاة ، أو سرد قصص الصحابة الكرام وتعلقهم بالصلاة... إلخ.
ومن المحاذير التي نركِّز عليها دوماً:
- البُعْد عن أسلوب المواعظ.
- البُعْد عن النقد الشديد أو أسلوب الترهيب والتهديد، وغني عن القول ( الضرب في هذه السن )؛ فلابد من التعزيز الإيجابي، بمعنى تشجيع الصغير حتى تصبح الصلاة جزءاً أساسياً لحياته.
- مراعاة وجود الماء الدافئ في الشتاء، فقد يهرب الصغير من الصلاة لهروبه من الوضوء بالماء البارد.
هذا عامة وبالنسبة للبنات:
نحبِّب البنات في الصلاة في هذه السن بمراعاة أمور قد تبدو صغيرة تافهة، ولكن لها أبعد الأثر، مثل :
- حياكة طرحة صغيرة مزركشة ملوَّنة.
- توفير سجادة صغيرة خاصة بالطفل.
- وبالنسبة للذكور:
تشجيع الصغير (9 سنوات) على مصاحبة أبيه إلى المسجد، ومراعاة أن يكون هناك حذاء مناسب لذلك ( يُستحب البُعْد عن الأحذية ذات الأربطة التي تحتاج إلى وقت ومجهود من الصغير لربطها وصبر وطول بال )، وهذا عادة غير متوفر من المصلين المصطفِّين خلفه ينتظرون الانتهاء من ربط الصغير لحذائه.
وينتهي كلام الأستاذة نيفين السويفي.
أيام قليلة وتاتينا الذكرى فهلا عملنا على إحياءها بكل فكرة ...إن دروس الإسراء والمعراج وأفكاره – شأنها كشأن كافة أحداث السيرة – ثرية وغزيرة المعاني وتخرج لكل من تأمل فيها بمعان متجددة ...وما ينقصنا لاستشعارها التأمل والنظر ..فلنضع كأمهات الآن برنامجاً تدريبياً لتعويد أبناءنا الصلاة ..ولتكن لحظة انطلاقته هي احتفالنا بالذكرى الحبيبة لفرض الصلاة على المسلمين في رحلة السماء رحلة الإسراء والمعراج.